فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما أشار سبحانه إلى هذه الإحاطة بالقاف، أقسم على ذلك قسمًا هو في نفسه دال عليه فقال: {والقرآن} أي الكتاب الجامع الفارق {المجيد} الذي له العلو والشرف والكرم والعظمة على كل كلام، والجواب أنهم ليعلمون ما أشارت إليه القاف من قوتي وعظمتي وإحاطة علمي وقدرتي، وما اشتمل عليه القرآن من المجد بإعجازه واشتماله على جميع العظمة، ولم ينكروا شيئًا من ذلك بقلوبهم، ومجيد القرآن كما تقدم في أثناء الفاتحة ما جربت أحكامه من بين عاجل ما شهد وآجل ما علم بعلم ما شهد، وكان معلومًا بالتجربة المتيقنة بما تواتر من القصص الماضي، وما شهد من الأثر الحاضر وما يتجدد مع الأوقات من أمثاله وأشباهه، وإذا تأملت السورة وجدت آيها المنزلة على جميع ذلك، فإنه سبحانه ذكرهم فيها ما يعلمون من خلق السماوات والأرض وما فيهما ومن مصارع الأولين وكذا السورة الماضية ولاسيما آخرها المشير إلى أنه أدخل على الناس الإيمان برجل واحد غلبهم بمجده وإعجازه لمجد منزله بقدرته وإحاطة علمه- والله الهادي، ومن أحاط علمًا بمعانيه وعمل ما فيه مجد عند الله وعند الناس.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما كانت سورة الفتح قد انطوت على جملة من الألطاف التي خص الله بها عباده المؤمنين كذكره تعالى أخوتهم وأمرهم بالتثبت عند غائلة معتد فاسق {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ} الآية، وأمرهم بغض الأصوات عند نبيهم وأن لا يقدموا بين يديه ولا يعاملوه في الجهر بالقول كمعاملة بعضهم بعضًا، وأمرهم باجتناب كثير من الظن ونهيهم عن التجسس والغيبة، وأمرهم بالتواضع في قوله: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} وأخبرهم تعالى أن استجابتهم وامتثالهم هذه الأوامر ليست بحولهم، ولكن بفضله وإنعامه، فقال: {ولكن الله حبب إليك الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} الآيتين، ثم أعقب ذلك بقوله: {يمنون عليك أن أسلموا} الآية، ليبين أن ذلك كله بيده ومن عنده، أراهم سبحانه حال من قضى عليه الكفر ولم يحبب إليه الإيمان ولا زينه في قلبه، بل جعله في طرف من حال من أمر ونهى في سورة الفتح مع المساواة في الخلق وتماثل الأدوات فقال تعالى: {والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم} الآيات، ثم ذكر سبحانه وتعالى وضوح الأدلة {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم} الآيات، ثم ذكر حال غيرهم ممن كان على رأيهم {كذبت قبلهم قوم نوح} ليتذكر بمجموع هذا من قدم ذكره بحاله وأمره ونهيه في سورة الفتح، ويتأدب المؤمن بآداب الله ويعلم أن ما أصابه من الخير فإنما هو من فضل ربه وإحسانه، ثم التحمت الآي إلى قوله خاتمة السورة {نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم} الآيات- انتهى.
ولما كان هذا ظاهرًا على ما هدى إليه السياق، بنى عليه قوله دلالة أخرى على شمول علمه: {بل} أي أن تكذيبهم ليس لإنكار شيء من مجده ولا لإنكار صدقك الذي هو من مجده بل لأنهم {عجبوا} أي الكفار، وأضمرهم قبل الذكر إشارة إلى أنه إذا ذكر شيئًا خارجًا عن سنن الاستقامة انصرف إليهم، والعجب من تغير النفس لأمر خارج عن العادة.
ولما كان المقام لتخويف من قدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو منّ عليه بالإسلام أو غيره، أو لتخويف من أنكر البعث، اقتصر على النذارة فقال: {أن جاءهم منذر} أنذرهم حق الإنذار من عذاب الله عند البعث الذي هو محط الحكمة، وعجب منهم هذا العجب بقوله: {منهم} لأن العادة عندهم وعند جميع الناس أنه إذا كان النذير منهم لم يداخلهم في إنذاره شك بوجه من الوجوه، وهؤلاء خالفوا عادة الناس في تعجبهم من كون النذير- وهو أحدهم- خص بالرسالة دونهم، ولم يدركوا وجه الخصوصية لكونه مثلهم، فكذلك أنكروا رسالته وفضل كتابه بألسنتهم نفاسة وحسدًا لأنهم كانوا معترفين بخصائصه التي رفعه الله تعالى عليهم بها قبل الرسالة فحطهم عجبهم ذلك إلى الحضيض من دركات السفه وخفة الأحلام، لأنهم عجبوا أن كان الرسول بشرًا وأوجبوا أن يكون الإله حجرًا، وعبجوا من أن يعادوا من تراب، وتثبت له الحياة، ولم يعجبوا أن يبتدؤوا من تراب ولم يكن له أصل في الحياة، ولذلك سبب عنه قوله: {فقال} أي بسبب إنذاره بالبعث وعقبه {الكافرون} فأظهر في موضع الإنذار إيذانًا بأنهم لم يخف عليهم شيء من أمره، ولكنهم ستروا تعديًا بمرأى عقولهم الدالة على جميع أمره دلالة ظاهرة، وعبر بما دل على النذارة لأنها المقصود الأعظم من هذه السورة، وجميع سياق الحجرات ظاهر فيها: {هذا} أن يكون النذير منا خصص بالرسالة من دوننا، وكون ما أنذر به هو البعث بعد الموت {شيء عجيب} أي بليغ في الخروج عن عادة أشكاله، وقد كذبوا في ذلك، أما من جهة النذير فإن أكثر الرسل من الطوائف الذين أرسلوا إليهم، وقليل منهم من كان غريبًا ممن أرسل إليه، وأما من جهة البعث فإن أكثر ما في الكون مثل ذلك من إعادة كل من الملوين بعد ذهابه وإحياء الأرض من بعد موتها وابتداء الإحياء لجميع موات الحيوان وإخراج النبات والأشجار والثمار وغير ذلك مما هو ظاهر جدًا.
ولما كان المتعجب منه مجملًا، أوضحه بقوله حكاية عنهم مبالغين في الإنكار، بافتتاح إنكارهم باستفهام إنكاري: {إذا متنا} ففارقت أرواحنا أشباحنا {وكنا ترابًا} لا فرق بينه وبين تراب الأرض.
ولما كان العامل في الظرف ما تقديره: نرجع؟ دل عليه بقوله والإشارة بأداة البعد إلى عظيم استبعادهم: {ذلك} أي الأمر الذي هو في تمييز ترابنا من بقية التراب في غاية البعد، وهو مضمون الخبر برجوعنا {رجع} أي رد إلى ما كنا عليه {بعيد} جدًا لأنه لا يمكن تمييز ترابنا من بقية التراب.
ولما كان السياق لإحاطة العلم بما نعلم وما لا نعلم، توقع السامع الجواب عن هذا الجهل، فقال مزيلًا لسببه، مفتتحًا بحرف التوقع: {قد} أي بل نحن على ذلك في غاية القدرة لأنا قد {علمنا} بما لنا من العظمة {ما تنقص الأرض منهم} أي من أجزائهم المتخللة من أبدانهم بعد الموت وقبله، فإنه لو زاد الإنسان بكل طعام يأكله ولم ينقص صار كالجبل بل نحن دائمًا في إيجاد وإعدام تلك الأجزاء، وذلك فرع العلم بها كل جزء في وقته الذي كان نقصه فيه قل ذلك الجزء أو جل، ولم يكن شيء من ذلك إلا بأعيينا بما لنا من القيومية والخبرة النافذة في البواطن فضلًا عن الظواهر والحفظ، الذي لا يصوب إلى جنابه عي ولا غفلة ولا غير، ولكنه عبر بمن لأن الأرض لا تأكل عجب الذنب، فإنه كالبزر لأجسام بني آدم.
ولما كانت العادة جارية عند جميع الناس بأن ما كتب حفظ، أجرى الأمر على ما جرت به عوائدهم فقال مشيرًا بنون العظمة إلى غناه عن الكتاب: {وعندنا} أي على ما لنا من الجلال الغني عن كل شيء {كتاب} أي جامع لكل شيء {حفيظ} أي بالغ في الحفظ لا يشذ عنه شيء من الأشياء دق أو جل، فكيف يستبعدون على عظمتنا أن لا نقدر على تمييز ترابهم من تراب الأرض ولم يختلط في علمنا شيء من جزء منه بشيء من جزء آخر فضلًا عن أن يختلط شيء منه بشيء آخر من تراب الأرض أو غيرها.
ولما كان التقدير: وهم لا ينكرون ذلك من عظمتنا لأنهم معترفون بأنا خلقنا السماوات والأرض وخلقناهم من تراب وإنا نحن ننزل الماء فينبت النبات، أضرب عنه بقوله: {بل الذين كذبوا بالحق} أي الأمر الثابت الذي لا أثبت منه {لما} أي حين {جاءهم} لما ثار عندهم من أجل تعجبهم من إرسال رسولهم من حظوظ النفوس وغلبهم من الهوى، حسدًا منهم من غير تأمل لما قالوه ولا تدبر، ولا نظر فيه ولا تفكر، فلذلك قالوا ما لا يعقل من أن من قدر على إيجاد شيء من العدم وإبدائه لا يقدر على إعادته بعد إعدامه وإفنائه.
ولما تسبب عن انتسابهم في هذا القول الواهي وارتهانهم في عهدته اضطرابهم في الرأي: هل يرجعون فينسبوا إلى الجهل والطيش والسفة والرعونة أم يدومون عليه فيؤدي ذلك مع كفرهم بالذي خلقهم إلى أعظم من ذلك من القتال والقتل، والنسبة إلى الطيش والجهل، قال معبرًا عن هذا المعنى: {فهم} أي لأجل مبادرتهم إلى هذا القول السفساف {في أمر مريج} أي مضطرب جدًا مختلط، من المرج وهو اختلاط النبت بالأنواع المختلفة، فهم تارة يقولون: سحر، وتارة كهانة، وتارة شعر، وتارة كذب، وتارة غير ذلك، والاضطراب موجب للاختلاف، وذلك أدل دليل على الإبطال كما أن الثبات والخلوص موجب للاتفاق، وذلك أدل دليل على الحقية، قال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم- وكذا قال قتادة، وزاد: والتبس عليهم دينهم. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ميتًا} بالتشديد: يزيد {وعيدي} وما بعده مثل التي في إبراهيم: {يوم يقول} بالياء: نافع وأبو بكر وحماد {امتلات} بإبدال الهمزة ألفًا: أبو عمرو ويزيد والأعشى والأصفهاني عن ورش وحمزة في الوقف {يوعدون} على الغيبة: ابن كثير {وإدبار} بكسر الهمزة: أبو جعفر ونافع وابن كثير وحمزة وخلف وجبلة {المنادي} بالياء في الحالين: ابن كثير وسهل ويعقوب وافق أبو جعفر ونافع وأبو عمرو وفي الوصل.

.الوقوف:

{ق} ط كوفي ولو جعل قسمًا فلا يوقف للعطف {المجيد} o ج لأن {بل} قد يجعل جواب القسم تشبيهًا بأن في التحقيق وفي توكيد ما بعده، وقد يجعل جوابه محذوفًا أي لتبعثن {ترابًا} ج لأن ذلك مبتدأ إلا أن المقوم واحد {بعيد} o {منهم} ج لاحتمال ما بعده الحال والاستئناف {حفيظ} o {مريح} o {فروج} o {بهيج} o لا لأن {تبصرة} مفعول لأجله {منيب} o {الحصيد} o لا لأن النخل معطوف على الجنات والحب {نضيد} o لا لأن المراد أنبتناها لأجل الرزق {للعباد} ط للعطف {ميتًا} ط {لخروج} o {وثمود} o {لوط} o لا {تبع} ط {وعيد} o {الأول} ط {جديد} o {نفسه} ج وجعل ما بعدها حالًا أولى من الاستئناف فيوقف على الوريد و{إذا} يتعلق بمحذوف وهو {أذكر} أبو بقوله: {ما يلفظ} فلا يوقف على {قعيد}.
{عتيد} o {بالحق} ط {تحيد} o {الصور} ط {الوعيد} o {وشهيد} o {حديد} o {عتيد} o لتقدير القول {عنيد} o لا {مريب} o لا بناء على أن ما بعده صفة أخرى ولو جعل مبتدأ لتضمنها معنى الشرط أو نصبًا على المدح فالوقف {الشديد} o {بعيد} o {بالوعيد} o {للعبيد} o {مزيد} o {بعيد} o {حفيظ} o ج لاحتمال أن تكون {من} شرطية جوابها القول المقدر قبل أدخلوها أو موصولة بدلًا من لكل {منيب} o {بسلام} ط {الخلود} o ط {مزيد} o {البلاد} ط للاستفهام. قال السجاوندي: وعندي أن عدم الوقف أولى لأن النقب وهو البحث والتفتيش وأقع على جملة الاستفهام.
{محيص} o {شهيد} o {لغوب} o {الغروب} ج لاحتمال تعلق الجار بما قبله وبما بعده {السجود} o {قريب} o لا لأن ما بعده بدل {بالحق} ط {الخروج} o {المصير} o لا لتعلق الظرف {سراعًا} ط {يسير} o {وعيد} o. اهـ.

.فصل في الإسرائيليات والموضوعات في جبل قاف المزعوم وحدوث الزلازل:

قال الدكتور محمد أبو شهبة:
ومن ذلك: ما ذكره بعضهم في تفسير قوله تعالى: {ق والقرآن الْمَجِيد}: فقد ذكر صاحب الدر المنثور وغيره، روايات كثيرة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «خلق الله من وراء هذه الأرض بحرا محيطا بها، ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلا يقال له: قاف، سماء الدنيا مرفوعة عليه، ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أيضا مثل تلك الأرض سبع مرات، واستمر على هذا حتى عد سبع أرضين، وسبعة أبحر، وسبعة أجبل، وسبع سماوات».
وهذا الأثر لا يصح سنده عن ابن عباس، وفيه انقطاع، ولعل البلاء فيه من المحذوف، ولو سلمنا صحته، فقد أخذه من الإسرائيليات.
وأخرج ابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ عنه أيضا قال: خلق الله تعالى جبلا يقال له: قاف، محيط بالعالم، وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فيحرك العرق الذي يلي تلك القرية، فيزلزلها، ويحركها، ثم تحرك القرية دون القرية.
وكل ذلك كما قال القرافي لا وجود له، ولا يجوز اعتماد ما لا دليل عليه، وهو من خرافات بني إسرائيل الذين يقع في كلامهم الكذب، والتغيير، والتبديل، دست على هؤلاء الأئمة، أو تقبلوها بحسن نية، ورووها لغرابتها، لا اعتقادا بصحتها، ونحمد الله أن وجد في علماء الأمة من رد هذا الباطل، وتنبه له قبل أن تتقدم العلوم الكونية كما هي عليه اليوم، ومن العجيب أن يتعقب كلام القرافي ابن حجر الهيتمي فقال: ما جاء عن ابن عباس مروي من طرق خرجها الحفاظ وجماعة ممن التزموا تخريج الصحيح، وقول.
الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه: حكمه حكم المرفوع إلى النبي.
وأنا أقول للشيخ الهيتمي: إن تخريج من التزم الصحة ليس بحجة، وكم من ملتزم شيئا لم يفِ به، والشخص قد يسهو ويغلط مع عدالته، وأنظار العلماء تختلف، والحاكم-على جلالته- صحَّح أحاديث حكم عليها الإمام الذهبي وغيره بالوضع، وكذلك ابن جرير على جلالته، أخرج روايات في تفسيره، حكم عليها الحفاظ بالوضع، والكذب، ولو سلمنا صحتها عن ابن عباس: فلا ينافي ذلك أن تكون من الإسرائيليات الباطلة، كما قلت غير مرة.
وأما أنَّ لها حكم الرفع فغير مسلم؛ لأن المحققين من أئمة الحديث على أن ما لا مجال للرأي فيه له حكم الرفع، إذا لم يكن الصحابي ممن عرف بأنه يأخذ عن مسلمة أهل الكتاب، وابن عباس ممن أخذ عنهم.
ثم إني أقول للهيتمي ومن يرى رأيه: أي فائدة نجنيها من وراء هذه المرويات التي لا تتقبلها عقول تلاميذ المدارس فضلا عن العلماء؟!! اللهم إلا أننا نفتح بالانتصار لها بابا للطعن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا جاز هذا في عصور الجهل والخرافات فلا يجوز اليوم، وقد أصبح رواد الفضاء يطوفون حول الأرض، ويرونها معلقة في الفضاء بلا عمد، ولا جبال، ولا بحار، ولا صخرة استقرت عليها الأرض، فهذه الإسرائيليات مخالفة للحس والمشاهدة قطعا، فكيف نتعلق بها؟!.
ورحم الله الإمام الألوسي حيث قال: والذي أذهب إليه ما ذهب إليه القرافي، من أنه لا وجود لهذا الجبل بشهادة الحس، فقد قطعوا هذه الأرض؛ برها وبحرها على مدار السرطان مرات، فلم يشاهدوا ذلك، والطعن في صحة الأخبار، وإن كان جماعة من رواتها ممن التزم تخريج الصحيح أهون من تكذيب الحس، وأمر الزلازل لا يتوقف أمرها على ذلك الجبل، بل هي من الأبخرة، يعنى المتولدة من شدة حرارة جوف الأرض وطلبها الخروج مع صلابة الأرض يعني، فيحصل هذا الاهتزاز وإنكار ذلك مكابرة عند من له عرق من الإنصاف، ولا أدري لو أن الإمام الجليل الآلوسي عاش في عصرنا هذا، ووقف على ما وقفنا عليه من عجائب الرحلات الفضائية، ماذا كان يقول؟ إن كل مسلم ينبغي أن يكون له من العقل الواعي المتفتح، والنظر الثاقب البعيد ما لهذا الإمام الكبير.
وإليك ما قاله عالم حافظ ناقد، سبق الإمام الآلوسي بنحو خمسة قرون: فقد قال في تفسيره عند هذه الآية: وقد روي عن السلف أنهم قالوا: (ق): جبل محيط يجمع الأرض يقال له: جبل قاف، وكأن هذا-والله أعلم- من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم، مما لا يصدق، ولا يكذب، وعندي: أن هذا، وأمثاله، وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم يلبسون به على الناس أمر دينهم، كما افترى في هذه الأمة، مع جلالة قدر علمائها، وحفاظها، وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما بالعهد من قدم، فكيف بأمر بني إسرائيل مع طول المدى، وقلة الحفاظ النقاد فيهم، وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه، وتبديل كتب الله وآياته، وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: «حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، فيما قد يجوزه العقل، فأما فيما تحيله العقول، ويحكم فيه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل. والله أعلم.